القرآن الكريم » تفسير القرطبي » سورة الكوثر
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) (الكوثر) 
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " إِنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَر " قِرَاءَة الْعَامَّة . " إِنَّا أَعْطَيْنَاك " بِالْعَيْنِ . وَقَرَأَ الْحَسَن وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف : " أَنْطَيْنَاك " بِالنُّونِ ; وَرَوَتْهُ أُمّ سَلَمَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَهِيَ لُغَة فِي الْعَطَاء ; أَنْطَيْته : أَعْطَيْته . و " الْكَوْثَر " : فَوْعَل مِنْ الْكَثْرَة ; مِثْل النَّوْفَل مِنْ النَّفْل , وَالْجَوْهَر مِنْ الْجَهْر . وَالْعَرَب تُسَمِّي كُلّ شَيْء كَثِير فِي الْعَدَد وَالْقَدْر وَالْخَطَر كَوْثَرًا . قَالَ سُفْيَان : قِيلَ لِعَجُوزٍ رَجَعَ اِبْنهَا مِنْ السَّفَر : بِمَ آبَ اِبْنك ؟ قَالَتْ بِكَوْثَر ; أَيْ بِمَالٍ كَثِير . وَالْكَوْثَر مِنْ الرِّجَال : السَّيِّد الْكَثِير الْخَيْر . قَالَ الْكُمَيْت : وَأَنْتَ كَثِير يَا بْن مَرْوَان طَيِّب وَكَانَ أَبُوك اِبْن الْعَقَائِل كَوْثَرَا وَالْكَوْثَر : الْعَدَد الْكَثِير مِنْ الْأَصْحَاب وَالْأَشْيَاع . وَالْكَوْثَر مِنْ الْغُبَار : الْكَثِير . وَقَدْ تَكَوْثَرَ إِذَا كَثُرَ ; قَالَ الشَّاعِر : وَقَدْ ثَارَ نَقْع الْمَوْت حَتَّى تَكَوْثَرَا الثَّانِيَة : وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْكَوْثَر الَّذِي أُعْطِيَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سِتَّة عَشَرَ قَوْلًا : الْأَوَّل : أَنَّهُ نَهَر فِي الْجَنَّة ; رَوَاهُ الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب التَّذْكِرَة . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ أَيْضًا عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْكَوْثَر : نَهَر فِي الْجَنَّة , حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَب , وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرّ وَالْيَاقُوت , تُرْبَته أَطْيَب مِنْ الْمِسْك , وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنْ الْعَسَل وَأَبْيَض مِنْ الثَّلْج ) . هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . الثَّانِي : أَنَّهُ حَوْض النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْقِف ; قَالَهُ عَطَاء . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَة , ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا : مَا أَضْحَكَك يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : نَزَلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَة - فَقَرَأَ - بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم : " إِنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَر . فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ . إِنَّ شَانِئَك هُوَ الْأَبْتَر " - ثُمَّ قَالَ - أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَر ؟ . قُلْنَا اللَّه وَرَسُول أَعْلَم . قَالَ : فَإِنَّهُ نَهَر وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ , عَلَيْهِ خَيْر كَثِير هُوَ حَوْض تَرِد عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْم الْقِيَامَة آنِيَته عَدَد النُّجُوم , فَيُخْتَلَج الْعَبْد مِنْهُمْ فَأَقُول إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي , فَيُقَال إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ بَعْدك . وَالْأَخْبَار فِي حَوْضه فِي الْمَوْقِف كَثِيرَة , ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " . وَأَنَّ عَلَى أَرْكَانه الْأَرْبَعَة خُلَفَاءَهُ الْأَرْبَعَة ; رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ . وَأَنَّ مَنْ أَبْغَضَ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَمْ يَسْقِهِ الْآخَر , وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَنْ يَطَّرِد عَنْهُ . فَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوف عَلَى ذَلِكَ تَأَمَّلَهُ هُنَاكَ . ثُمَّ يَجُوز أَنْ يُسَمَّى ذَلِكَ النَّهَر أَوْ الْحَوْض كَوْثَرًا , لِكَثْرَةِ الْوَارِدَة وَالشَّارِبَة مِنْ أُمَّة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام هُنَاكَ . وَيُسَمَّى بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَيْر الْكَثِير وَالْمَاء الْكَثِير . الثَّالِث : أَنَّ الْكَوْثَر النُّبُوَّة وَالْكِتَاب ; قَالَهُ عِكْرِمَة . الرَّابِع : الْقُرْآن ; قَالَهُ الْحَسَن . الْخَامِس : الْإِسْلَام ; حَكَاهُ الْمُغِيرَة . السَّادِس : تَيْسِير الْقُرْآن وَتَخْفِيف الشَّرَائِع ; قَالَهُ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل . السَّابِع : هُوَ كَثْرَة الْأَصْحَاب وَالْأُمَّة وَالْأَشْيَاع ; قَالَهُ أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش وَيَمَان بْن رِئَاب . الثَّامِن : أَنَّهُ الْإِيثَار ; قَالَهُ اِبْن كَيْسَان . التَّاسِع : أَنَّهُ رِفْعَة الذِّكْر . حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . الْعَاشِر : أَنَّهُ نُور فِي قَلْبك دَلَّك عَلَيَّ , وَقَطَعَك عَمَّا سِوَايَ . وَعَنْهُ : هُوَ الشَّفَاعَة ; وَهُوَ الْحَادِي عَشَرَ . وَقِيلَ : مُعْجِزَات الرَّبّ هُدِيَ بِهَا أَهْل الْإِجَابَة لِدَعْوَتِك ; حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ , وَهُوَ الثَّانِي عَشَرَ . الثَّالِث عَشَرَ : قَالَ هِلَال بْن يَسَاف : هُوَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه . وَقِيلَ : الْفِقْه فِي الدِّين . وَقِيلَ : الصَّلَوَات الْخَمْس ; وَهُمَا الرَّابِع عَشَرَ وَالْخَامِس عَشَرَ . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : هُوَ الْعَظِيم مِنْ الْأَمْر ; وَذَكَرَ بَيْت لَبِيد : وَصَاحِب مَلْحُوب فُجِعْنَا بِفَقْدِهِ وَعِنْد الرَّدَاع بَيْت آخَر كَوْثَر أَيْ عَظِيم .
قُلْت : أَصَحّ هَذِهِ الْأَقْوَال الْأَوَّل وَالثَّانِي ; لِأَنَّهُ ثَابِت عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصّ فِي الْكَوْثَر . وَسَمِعَ أَنَس قَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَوْض فَقَالَ : مَا كُنْت أَرَى أَنْ أَعِيش حَتَّى أَرَى أَمْثَالكُمْ يَتَمَارَوْنَ فِي الْحَوْض , لَقَدْ تَرَكْت عَجَائِز خَلْفِي , مَا تُصَلِّي اِمْرَأَة مِنْهُنَّ إِلَّا سَأَلَتْ اللَّه أَنْ يَسْقِيهَا مِنْ حَوْض النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي حَوْضه يَقُول الشَّاعِر : يَا صَاحِب الْحَوْض مَنْ يُدَانِيكَا وَأَنْتَ حَقًّا حَبِيب بَارِيكَا وَجَمِيع مَا قِيلَ بَعْد ذَلِكَ فِي تَفْسِيره قَدْ أُعْطِيَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زِيَادَة عَلَى حَوْضه , صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
قُلْت : أَصَحّ هَذِهِ الْأَقْوَال الْأَوَّل وَالثَّانِي ; لِأَنَّهُ ثَابِت عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصّ فِي الْكَوْثَر . وَسَمِعَ أَنَس قَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَوْض فَقَالَ : مَا كُنْت أَرَى أَنْ أَعِيش حَتَّى أَرَى أَمْثَالكُمْ يَتَمَارَوْنَ فِي الْحَوْض , لَقَدْ تَرَكْت عَجَائِز خَلْفِي , مَا تُصَلِّي اِمْرَأَة مِنْهُنَّ إِلَّا سَأَلَتْ اللَّه أَنْ يَسْقِيهَا مِنْ حَوْض النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي حَوْضه يَقُول الشَّاعِر : يَا صَاحِب الْحَوْض مَنْ يُدَانِيكَا وَأَنْتَ حَقًّا حَبِيب بَارِيكَا وَجَمِيع مَا قِيلَ بَعْد ذَلِكَ فِي تَفْسِيره قَدْ أُعْطِيَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زِيَادَة عَلَى حَوْضه , صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
كتب عشوائيه
- مقام الرشاد بين التقليد والاجتهادمقام الرشاد بين التقليد والاجتهاد: مَوضُوعُ الرِّسالةِ هو التَّقليدُ والاجتهادُ، وهُمَا مَوْضوعانِ يَخْتَصَّانِ بِعِلْمِ أُصُولِ الفِقْهِ. وهُمَا مِنْ المواضِيعِ الهامَّةِ جِداً لِكلِّ مُفْتٍ وفَقِيهٍ، سِيَّما مَعْ مَا يَمُرُّ مِنْ ضَرُوريَّاتٍ يُمْلِيها الواقعُ في بِلادِ المسلِمِينَ، أوْ فِي أَحْوالِ النَّاسِ ومَعَاشِهِم مِنْ مَسَائِلَ لَيْسَ فِيْها نَصٌّ شَرْعِيٌّ؛ لِذَا اعتَنَى بِهِ المتقَدِّمونَ؛ ومِنْهُم الأئمةُ الأَربَعةُ، وهُم الفُقَهاءُ المجتَهِدُونَ في أَزْهَى عُصُورِ الفِقْهِ الِإسْلَامِيِّ.
المؤلف : فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/2649
- صفة الوضوء والصلاةصفة الوضوء والصلاة: قال المؤلف: فهذه رسالة لطيفة نافعة في (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم) جمعناها تحقيقاً وامتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « صلوا كما رأيتموني أصلي » مع بيان صفة الوضوء قبلها، والأذكار بعدها. وقد أخذناها من كتابنا الجامع (مُخْتَصرُ الفِقْه الإسْلامي) وأفردناها لأهميتها، وحاجة كل مسلم إلى معرفتها.
المؤلف : محمد بن إبراهيم التويجري
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/380415
- سنبلة قلم [ أوراق أدبية نشرت في المجلات الإسلامية ]سنبلة قلم : قال المؤلف - أثابه الله -: « فقد يسر الله - عز وجل - أن كتبت مقالات متفرقة في عدد المجلات الإسلامية كالدعوة والأسرة والشقائق، وغيرها. ورغب بعض الأخوة أن أجمعها في مكان واحد، خاصة أنها مقالات ليست مختصة بوقت معين، فاستعنت بالله وجمعتها بدون حذف أو إضافة. سائلاً الله - عز وجل - أن يجعل أعمالنا صوابًا خالصة لوجهه الكريم ».
المؤلف : عبد الملك القاسم
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/229629
- مختصر هدي الخليل في العقائد وعبادة الجليلمختصر هدي الخليل في العقائد وعبادة الجليل: قال المؤلف - رحمه الله -: «فقد سألني جماعةٌ - شرح الله صدورهم لاتباع نبيِّه الكريم في العقائد والعبادات، وسائر الأحكام والآداب - أن أجمع لهم كتابًا مختصرًا سهل العبارة في العقائد والعبادات على مذهب الرسول والسلف الصالح; ليتمكَّنوا من اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، بدون حاجةٍ إلى الخوض في بحور كتب الحديث المُطوَّلة. فاستعنتُ بالله تعالى، وأجبتُ طلبهم، ونقلتُ لهم في العقائد ما أجمع عليه أهلُ السنة من كلام أئمة السنة، ولم أجعل فيه شيئًا من كلامي، واختصرتُ أحاديث العبادة، فأثبتُّ ما أمكن إثباتُه بلفظه، وسائره أثبتُّ معناه، فكل ما في هذا الكتاب ثابتٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس فيه رأيٌ لغير المعصوم البَتَّة، فمن أخذ به فكأنه يأخذ الحكم من المصطفى - صلاة الله وسلامه عليه -».
المؤلف : تقي الدين الهلالي
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/344198
- سنن الترمذيسنن الترمذي ويقال له الجامع، مِن أهم كتب الحديث وأكثرها فوائد، اعتنى فيه مؤلِّفُه بجمع الأحاديث وترتيبها، وبيان فقهها، وذكر أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم في المسائل الفقهية، ومن لم يذكر أحاديثهم من الصحابة أشار إليها بقوله:وفي الباب عن فلان وفلان، واعتنى ببيان درجة الأحاديث من الصحة والحسن والضعف. - وعددُ كتب جامع الترمذي خمسون كتاباً، وعدد أحاديثه (3956) حديثٍ، وأحسن شروح جامع الترمذي كتاب "تحفة الأحوذي" للشيخ عبد الرحمن المباركفوري المتوفى سنة (1353هـ).
المؤلف : محمد بن عيسى الترمذي
الناشر : موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/140682












