القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة النساء
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) (النساء) 

قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل سُورَة الْبَقَرَة قَوْله تَعَالَى " يُخَادِعُونَ اللَّه وَاَلَّذِينَ آمَنُوا " وَقَالَ هَهُنَا إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعهمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّه لَا يُخَادِع فَإِنَّهُ الْعَالِم بِالسَّرَائِرِ وَالضَّمَائِر وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّة عِلْمهمْ وَعَقْلهمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ أَمْرهمْ كَمَا رَاجَ عِنْد النَّاس وَجَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَام الشَّرِيعَة ظَاهِرًا فَكَذَلِكَ يَكُون حُكْمهمْ عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة وَأَنَّ أَمْرهمْ يَرُوج عِنْده كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَوْم الْقِيَامَة يَحْلِفُونَ لَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الِاسْتِقَامَة وَالسَّدَاد وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ نَافِع لَهُمْ عِنْده كَمَا قَالَ تَعَالَى " يَوْم يَبْعَثهُمْ اللَّه جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ " الْآيَة وَقَوْله " وَهُوَ خَادِعهمْ " أَيْ هُوَ الَّذِي يَسْتَدْرِجهُمْ فِي طُغْيَانهمْ وَضَلَالهمْ وَيَخْذُلهُمْ عَنْ الْحَقّ وَالْوُصُول إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " يَوْم يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات لِلَّذِينَ آمَنُوا اُنْظُرُونَا نَقْتَبِس مِنْ نُوركُمْ - إِلَى قَوْله - وَبِئْسَ الْمَصِير " وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيث " مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّه بِهِ وَمَنْ رَايَا رَايَا اللَّه بِهِ " وَفِي الْحَدِيث الْآخَر " إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَبْدِ إِلَى الْجَنَّة فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَيَعْدِل بِهِ إِلَى النَّار " عِيَاذًا بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَقَوْله " وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كُسَالَى " الْآيَة هَذِهِ صِفَة الْمُنَافِقِينَ فِي أَشْرَف الْأَعْمَال وَأَفْضَلهَا وَخَيْرهَا وَهِيَ الصَّلَاة إِذَا قَامُوا إِلَيْهَا قَامُوا وَهُمْ كُسَالَى عَنْهَا لِأَنَّهُمْ لَا نِيَّة لَهُمْ فِيهَا وَلَا إِيمَان لَهُمْ بِهَا وَلَا خَشْيَة وَلَا يَعْقِلُونَ مَعْنَاهَا كَمَا رَوَى اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق عُبَيْد اللَّه بْن زَحْر عَنْ خَالِد بْن أَبِي عِمْرَان عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : يُكْرَه أَنْ يَقُوم الرَّجُل إِلَى الصَّلَاة وَهُوَ كَسْلَان وَلَكِنْ يَقُوم إِلَيْهَا طَلْق الْوَجْه عَظِيم الرَّغْبَة شَدِيد الْفَرَح فَإِنَّهُ يُنَاجِي اللَّه وَإِنَّ اللَّه تُجَاهه يَغْفِر لَهُ وَيُجِيبهُ إِذَا دَعَاهُ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَة " وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كُسَالَى " وَرُوِيَ مِنْ غَيْر هَذَا الْوَجْه عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْوه فَقَوْله تَعَالَى " وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كُسَالَى هَذِهِ صِفَة ظَوَاهِرهمْ كَمَا قَالَ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاة إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى صِفَة بَوَاطِنهمْ الْفَاسِدَة فَقَالَ يُرَاءُونَ النَّاس أَيْ لَا إِخْلَاص لَهُمْ وَلَا مُعَامَلَة مَعَ اللَّه بَلْ إِنَّمَا يَشْهَدُونَ النَّاس تَقِيَّة لَهُمْ وَمُصَانَعَة. وَلِهَذَا يَتَخَلَّفُونَ كَثِيرًا عَنْ الصَّلَاة الَّتِي لَا يُرَوْنَ فِيهَا غَالِبًا كَصَلَاةِ الْعِشَاء وَقْت الْعَتَمَة وَصَلَاة الصُّبْح فِي وَقْت الْغَلَس كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَثْقَل الصَّلَاة عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاة الْعِشَاء وَصَلَاة الْفَجْر وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُر بِالصَّلَاةِ فَتُقَام ثُمَّ آمُر رَجُلًا فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِق مَعِي بِرِجَالٍ وَمَعَهُمْ حُزَم مِنْ حَطَب إِلَى قَوْم لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاة فَأُحَرِّق عَلَيْهِمْ بُيُوتهمْ بِالنَّارِ " وَفِي رِوَايَة " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ عَلِمَ أَحَدهمْ أَنَّهُ يَجِد عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الصَّلَاة وَلَوْلَا مَا فِي الْبُيُوت مِنْ النِّسَاء وَالذُّرِّيَّة لَحَرَّقْت عَلَيْهِمْ بُيُوتهمْ بِالنَّارِ " وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو يَعْلَى : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي بَكْر الْمُقَدَّمِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن دِينَار عَنْ إِبْرَاهِيم الْهَجَرِيّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَص عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَحْسَن الصَّلَاة حَيْثُ يَرَاهُ النَّاس وَأَسَاءَهَا حَيْثُ يَخْلُو فَتِلْكَ اِسْتِهَانَة اِسْتَهَانَ بِهَا رَبّه عَزَّ وَجَلَّ " وَقَوْله " وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّه إِلَّا قَلِيلًا " أَيْ فِي صَلَاتهمْ لَا يَخْشَوْنَ وَلَا يَدْرُونَ مَا يَقُولُونَ بَلْ هُمْ فِي صَلَاتهمْ سَاهُونَ لَاهُونَ وَعَمَّا يُرَاد بِهِمْ مِنْ الْخَيْر مُعْرِضُونَ . وَقَدْ رَوَى الْإِمَام مَالِك عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تِلْكَ صَلَاة الْمُنَافِق تِلْكَ صَلَاة الْمُنَافِق تِلْكَ صَلَاة الْمُنَافِق : يَجْلِس يَرْقُب الشَّمْس حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْن قَرْنَيْ الشَّيْطَان قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُر اللَّه فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا " وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر الْمَدَنِيّ عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح .
كتب عشوائيه
- اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيماقتضاء الصراط المستقيم : فإن من أعظم مقاصد الدين وأصوله، تمييز الحق وأهله عن الباطل وأهله، وبيان سبيل الهدى والسنة، والدعوة إليه، وكشف سبل الضلالة والبدعة، والتحذير منها. وقد اشتملت نصوص القرآن والسنة، على كثير من القواعد والأحكام التي تبين هذا الأصل العظيم والمقصد الجليل. ومن ذلك، أن قواعد الشرع ونصوصه اقتضت وجوب مخالفة المسلمين للكافرين، في عقائدهم وعباداتهم وأعيادهم وشرائعهم، وأخلاقهم الفاسدة، وكل ما هو من خصائصهم وسماتهم التي جانبوا فيها الحق والفضيلة. وقد عني سلفنا الصالح - رحمهم الله - ببيان هذا الأمر، وكان من أبرز من صنف فيه: شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية المتوفى سنة 728هـ - رحمه الله -،وذلك في كثير من مصنفاته، لاسيما كتابه الشهير: " اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ". لذا حرصنا على توفير هذا الكتاب بتحقيق فضيلة الشيخ ناصر العقل - حفظه الله - وهي عبارة عن أطروحة لنيل العالمية العالية - الدكتوراة - من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بإشراف فضيلة العلامة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -.
المؤلف : أحمد بن عبد الحليم بن تيمية
المدقق/المراجع : ناصر بن عبد الكريم العقل
الناشر : موقع الإسلام http://www.al-islam.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/102361
- المفيد في التعامل مع المسلم الجديدفي هذا الكتاب جمع لما تيسَّر من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وطريقته في التعامل مع المسلم الجديد، لعله يستفيد منه الداعية والمدعو في هذا الباب ويكون سبباً للتثبيت على هذا الدين ورسوخ القدم فيه.
المؤلف : محمد صالح المنجد
الناشر : موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/339983
- البيان المفيد فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيدالبيان المفيد فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيد: رسالة عظيمة في تبيان ما يجب على الأمة اعتقاده، من توحيد الله وإفراده بالعبادة، وتحذيرها من كل ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كدعاء غير الله، والاستغاثة، والاستعانة، وطلب الشفاعة من الأموات.
المؤلف : عبد الله العلي سلطان
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/2054
- التعليقات السنية على العقيدة الواسطيةالعقيدة الواسطية : رسالة نفيسة لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ذكر فيها جمهور مسائل أصول الدين، ومنهج أهل السنة والجماعة في مصادر التلقي التي يعتمدون عليها في العقائد؛ لذا احتلت مكانة كبيرة بين علماء أهل السنة وطلبة العلم، لما لها من مميزات عدة من حيث اختصار ألفاظها ودقة معانيها وسهولة أسلوبها، وأيضاً ما تميزت به من جمع أدلة أصول الدين العقلية والنقلية؛ لذلك حرص العلماء وطلبة العلم على شرحها وبيان معانيها، ومن هذه الشروح شرح فضيلة الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك - رحمه الله -.
المؤلف : فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/2568
- اللهم سلماللهم سلم: في زمن النسيان والغفلة والأمل والتسويف أقدم للإخوة القراء الجزء العاشر من سلسة «أين نحن من هؤلاء؟» تحت عنوان: «اللهم سلم». وفيه ذكر فضيلة الخوف من الله التي تقود إلى العمل وتحرك الهمم. وطرزته بحال السلف خوفًا ورجاء».
المؤلف : عبد الملك القاسم
الناشر : دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/229620