القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة آل عمران
وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) (آل عمران) 
ثُمَّ نَدَبَهُمْ إِلَى الْمُبَادَرَة إِلَى فِعْل الْخَيْرَات وَالْمُسَارَعَة إِلَى نَيْل الْقُرُبَات فَقَالَ تَعَالَى " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبّكُمْ وَجَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " أَيْ كَمَا أُعِدَّتْ النَّار لِلْكَافِرِينَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَعْنَى قَوْله عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض تَنْبِيهًا عَلَى اِتِّسَاع طُولهَا كَمَا قَالَ فِي صِفَة فُرُش الْجَنَّة " بَطَائِنهَا مِنْ إِسْتَبْرَق " أَيْ فَمَا ظَنُّك بِالظَّهَائِرِ وَقِيلَ بَلْ عَرْضهَا كَطُولِهَا لِأَنَّهَا قُبَّة فِيهِ تَحْت الْعَرْش وَالشَّيْء الْمُقَبَّب وَالْمُسْتَدِير عَرْضه كَطُولِهِ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح " إِذَا سَأَلْتُمْ اللَّه الْجَنَّة فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْس فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّة وَأَوْسَط الْجَنَّة وَمِنْهُ تَفَجَّر أَنْهَار الْجَنَّة وَسَقْفهَا عَرْش الرَّحْمَن " وَهَذِهِ الْآيَة كَقَوْلِهِ فِي سُورَة الْحَدِيد " سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبّكُمْ وَجَنَّة عَرْضهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْض " الْآيَة . وَقَدْ رُوِّينَا فِي مُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد أَنَّ هِرَقْل كَتَبَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّك دَعَوْتنِي إِلَى جَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض فَأَيْنَ النَّار ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سُبْحَان اللَّه فَأَيْنَ اللَّيْل إِذَا جَاءَ النَّهَار ". وَقَدْ رَوَاهُ اِبْن جَرِير فَقَالَ حَدَّثَنِي يُونُس أَنْبَأَنَا اِبْن وَهْب أَخْبَرَنِي مُسْلِم بْن خَالِد عَنْ أَبِي خَيْثَمَة عَنْ سَعِيد بْن أَبِي رَاشِد عَنْ يَعْلَى بْن مُرَّة قَالَ لَقِيت التَّنُوخِيّ رَسُول هِرَقْل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِمْصَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ فَسَدَ فَقَالَ قَدِمْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابِ هِرَقْل فَتَنَاوَلَ الصَّحِيفَة رَجُل عَنْ يَسَاره قَالَ : قُلْت مَنْ صَاحِبكُمْ الَّذِي يَقْرَأ ؟ قَالُوا : مُعَاوِيَة فَإِذَا كِتَاب صَاحِبِي : إِنَّك كَتَبْت تَدْعُونِي إِلَى جَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض فَأَيْنَ النَّار قَالَ : فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سُبْحَان اللَّه فَأَيْنَ اللَّيْل إِذَا جَاءَ النَّهَار " . وَقَالَ الْأَعْمَش وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَشُعْبَة عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم عَنْ طَارِق بْن شِهَاب : أَنَّ نَاسًا مِنْ الْيَهُود سَأَلُوا عُمَر بْن الْخَطَّاب عَنْ جَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض فَأَيْنَ النَّار ؟ فَقَالَ لَهُمْ عُمَر : أَرَأَيْتُمْ إِذَا جَاءَ النَّهَار أَيْنَ اللَّيْل وَإِذَا جَاءَ اللَّيْل أَيْنَ النَّهَار فَقَالُوا : لَقَدْ نَزَعْت مِثْلهَا مِنْ التَّوْرَاة رَوَاهُ اِبْن جَرِير مِنْ ثَلَاثَة طُرُق . ثُمَّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن بَرْقَان أَنْبَأَنَا يَزِيد بْن الْأَصَمّ : أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب قَالَ : يَقُولُونَ جَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض فَأَيْنَ النَّار ؟ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَيْنَ يَكُون اللَّيْل إِذَا جَاءَ النَّهَار وَأَيْنَ يَكُون النَّهَار إِذَا جَاءَ اللَّيْل . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا فَقَالَ الْبَزَّار حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَعْمَر حَدَّثَنَا الْمُغِيرَة بْن سَلَمَة أَبُو هِشَام حَدَّثَنَا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الْأَصَمّ عَنْ عَمّه يَزِيد بْن الْأَصَمّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَرَأَيْت قَوْله تَعَالَى " جَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض " فَأَيْنَ النَّار ؟ قَالَ " أَرَأَيْت اللَّيْل إِذَا جَاءَ لَبِسَ كُلّ شَيْء فَأَيْنَ النَّهَار " ؟ قَالَ : حَيْثُ شَاءَ اللَّه قَالَ " وَكَذَلِكَ النَّار تَكُون حَيْثُ شَاءَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " . وَهَذَا يَحْتَمِل مَعْنَيَيْنِ " أَحَدهمَا " أَنْ يَكُون الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ عَدَم مُشَاهَدَتنَا اللَّيْل إِذَا جَاءَ النَّهَار أَنْ لَا يَكُون فِي مَكَان وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمهُ : وَكَذَلِكَ النَّار تَكُون حَيْثُ شَاءَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَهَذَا أَظْهَر كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنْ الْبَزَّار " الثَّانِي " أَنْ يَكُون الْمَعْنَى أَنَّ النَّهَار إِذَا تَغَشَّى وَجْه الْعَالَم مِنْ هَذَا الْجَانِب فَإِنَّ اللَّيْل يَكُون مِنْ الْجَانِب الْآخَر فَكَذَلِكَ الْجَنَّة فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ فَوْق السَّمَوَات تَحْت الْعَرْش وَعَرْضهَا كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " كَعَرْضِ السَّمَوَات وَالْأَرْض " وَالنَّار فِي أَسْفَل سَافِلِينَ فَلَا تَنَافِي بَيْن كَوْنهَا كَعَرْضِ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَبَيْن وُجُود النَّار وَاَللَّه أَعْلَم .
كتب عشوائيه
- في بطن الحوتفي بطن الحوت: كتابٌ اشتمل على العديد من القصص المؤثِّرة لرفع الهِمَم وإعلائها، ولنبذ الذنوب وتركها، واجتناب المعاصي وهجرانها، والقدوم على الله - سبحانه وتعالى - بقلوبٍ سليمة، لنَيْل ما عند الله من حسناتٍ ودرجات.
المؤلف : محمد بن عبد الرحمن العريفي
الناشر : موقع الشيخ العريفي www.arefe.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/336100
- على قمم الجبالعلى قمم الجبال: فهذه رحلة مع أقوام من الصالحين .. الذين تنافسوا في الطاعات .. وتسابقوا إلى الخيرات .. نعم .. مع الذين سارعوا إلى مغفرة من ربهم وجنات .. هذه أخبار أقوام .. لم يتهيبوا صعود الجبال .. بل نزعوا عن أعناقهم الأغلال .. واشتاقوا إلى الكريم المتعال .. هم نساء ورجال .. علو إلى قمم الجبال .. ما حجبتهم عن ربهم لذة .. ولا اشتغلوا عن دينهم بشهوة .. فأحبهم ربهم وأدناهم .. وأعلى مكانهم وأعطاهم.
المؤلف : محمد بن عبد الرحمن العريفي
الناشر : موقع الشيخ العريفي www.arefe.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/336208
- يا أبي زوجنييا أبي زوجني: قال المصنف - حفظه الله -: «فإن نعم الله - عز وجل - على الإنسان كثيرة لا تخفى، ومن أعظمها وأكملها نعمة الذرية الصالحة التي تقر بها العين في الحياة وبعد الممات. ومن تمام نعمة الأولاد: صلاحهم واستقامتهم وحفظهم عن الفتن والمزالق، ثم إنجابهم لأحفاد وأسباط يؤنسون المجالس وتفرح بهم البيوت ويستمر ذكر العائلة وأجر المربي إلي سنوات طويلة. ومن أكبر المعوقات نحو صلاح الأولاد: التأخر في تزويجهم، والتعذر بأعذار واهية! في هذه الرسالة الأولاد يتحدثون ويناقشون ويبثون مكنون الصدور. لعل فيها عبرة وعظة».
المؤلف : عبد الملك القاسم
الناشر : دار القاسم
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/218461
- الخشوع في الصلاةالخشوع في الصلاة : في هذه الرسالة بيان مظاهر الخشوع، ومراتبه، الأسباب المعينة عليه، ثم بيان أهميته وأثره وأسبابه.
المؤلف : عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/209181
- الاختلاط بين الجنسين [حقائق وتنبيهات]ذكر المؤلف حفظه الله في كتابه معنى الاختلاط، والأدلة الصريحة على تحريمه من الكتاب والسنة، وذكر أقول أئمة المذاهب عنه، وتحدث عن أسباب الاختلاط وتجارب المجتمعات المختلطة، وأقوال أهل العلم فيه.
المؤلف : سليمان بن صالح الجربوع
الناشر : دار القاسم
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/260382












