القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة البقرة
أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) (البقرة)
يَقُول تَعَالَى " أَفَتَطْمَعُونَ " أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ" أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ " أَيْ يَنْقَاد لَكُمْ بِالطَّاعَةِ هَؤُلَاءِ الْفِرْقَة الضَّالَّة مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ شَاهَدَ آبَاؤُهُمْ مِنْ الْآيَات الْبَيِّنَات مَا شَاهَدُوهُ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبهمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ " وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ " أَيْ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله" مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ " أَيْ فَهِمُوهُ عَلَى الْجَلِيَّة وَمَعَ هَذَا يُخَالِفُونَهُ عَلَى بَصِيرَة " وَهُمْ يَعْلَمُونَ " أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ تَحْرِيفه وَتَأْوِيله وَهَذَا الْمَقَام شَبِيه بِقَوْلِهِ تَعَالَى " فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَاسِيَة يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعه " قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد عَنْ عِكْرِمَة أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ ثُمَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يُؤَيِّسهُمْ مِنْهُمْ " أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه " وَلَيْسَ قَوْله لَيَسْمَعُونَ التَّوْرَاة كُلّهمْ قَدْ سَمِعَهَا وَلَكِنْ هُمْ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى رُؤْيَة رَبّهمْ فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة فِيهَا . وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق فِيمَا حَدَّثَنِي بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى يَا مُوسَى قَدْ حِيلَ بَيْننَا وَبَيْن رُؤْيَة رَبّنَا تَعَالَى فَأَسْمِعْنَا كَلَامه حِين يُكَلِّمك فَطَلَبَ ذَلِكَ مُوسَى إِلَى رَبّه تَعَالَى فَقَالَ نَعَمْ مُرْهُمْ فَلْيَتَطَهَّرُوا وَلْيُطَهِّرُوا ثِيَابهمْ وَيَصُومُوا فَفَعَلُوا ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ حَتَّى أَتَوْا الطُّور فَلَمَّا غَشِيَهُمْ الْغَمَام أَمَرَهُمْ مُوسَى أَنْ يَسْجُدُوا فَوَقَعُوا سُجُودًا وَكَلَّمَهُ رَبّه فَسَمِعُوا كَلَامه يَأْمُرهُمْ وَيَنْهَاهُمْ حَتَّى عَقَلُوا مِنْهُ مَا سَمِعُوا ثُمَّ اِنْصَرَفَ بِهِمْ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل فَلَمَّا جَاءَهُمْ حَرَّفَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَقَالُوا حِين قَالَ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيل إِنَّ اللَّه قَدْ أَمَرَكُمْ بِكَذَا وَكَذَا قَالَ ذَلِكَ الْفَرِيق الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه إِنَّمَا قَالَ كَذَا وَكَذَا خِلَافًا لِمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّه لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ السُّدِّيّ" وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ" قَالَ هِيَ التَّوْرَاة حَرَّفُوهَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ السُّدِّيّ أَعَمّ مِمَّا ذَكَرَهُ اِبْن عَبَّاس وَابْن إِسْحَاق وَإِنْ كَانَ قَدْ اِخْتَارَهُ اِبْن جَرِير لِظَاهِرِ السِّيَاق فَإِنَّهُ لَيْسَ يَلْزَم مِنْ سَمَاع كَلَام اللَّه أَنْ يَكُون مِنْهُ كَمَا سَمِعَهُ الْكَلِيم مُوسَى بْن عِمْرَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اِسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ " أَيْ مُبَلَّغًا إِلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ قَتَادَة فِي قَوْله ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " قَالَ هُمْ الْيَهُود كَانُوا يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَوَعَوْهُ وَقَالَ مُجَاهِد الَّذِينَ يُحَرِّفُونَهُ وَاَلَّذِينَ يَكْتُمُونَهُ هُمْ الْعُلَمَاء مِنْهُمْ وَقَالَ : أَبُو الْعَالِيَة عَمَدُوا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابهمْ مِنْ نَعْت مُحَمَّد - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَرَّفُوهُ عَنْ مَوَاضِعه وَقَالَ السُّدِّيّ" وَهُمْ يَعْلَمُونَ " أَيْ أَنَّهُمْ أَذْنَبُوا وَقَالَ اِبْن وَهْب قَالَ : اِبْن زَيْد فِي قَوْله " يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ" قَالَ : التَّوْرَاة الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ يُحَرِّفُونَهَا يَجْعَلُونَ الْحَلَال فِيهَا حَرَامًا وَالْحَرَام فِيهَا حَلَالًا وَالْحَقّ فِيهَا بَاطِلًا وَالْبَاطِل فِيهَا حَقًّا وَإِذَا جَاءَهُمْ الْمُحِقّ بِرِشْوَةٍ أَخْرَجُوا لَهُ كِتَاب اللَّه وَإِذَا جَاءَهُمْ الْمُبْطِل بِرِشْوَةٍ أَخْرَجُوا لَهُ ذَلِكَ الْكِتَاب فَهُوَ فِيهِ مُحِقّ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَحَد يَسْأَلهُمْ شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ حَقّ وَلَا رِشْوَة وَلَا شَيْء أَمَرُوهُ بِالْحَقِّ فَقَالَ اللَّه لَهُمْ" أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب أَفَلَا تَعْقِلُونَ " .
كتب عشوائيه
- أحكام الخلع في الإسلامأحكام الخلع في الإسلام: كتاب يحتوي على مسائل حسن العشرة بين الزوجين، والنشوز، وبعث الحكمين، والخُلع، مع براهينها من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة.
المؤلف : تقي الدين الهلالي
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/343861
- كتاب الأذكار والأدعيةكتاب الأذكار والأدعية: قال المؤلف: فذِكْر الله من العبادات العظيمة التي تُرضي الرحمن، وتطرد الشيطان، وتُذهب الهم والغم، وتقوي القلب والبدن، وتورث ذكر الرب لعبده، وحبه له، وإنزال السكينة عليه، وتزيد إيمانه وتوحيده وتسهل عليه الطاعات، وتزجره عن المعاصي. لهذا يسر الله لنا بمنه وفضله كتابة هذا المجموع اللطيف ليكون المسلم على علاقة بربه العظيم في جميع أحواله.
المؤلف : محمد بن إبراهيم التويجري
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/380414
- جمع القرآن الكريم حفظا وكتابةجمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة : تحتوي هذه الرسالة على عدة مباحث: المبحث الأول: معنى جمع القرآن الكريم. المبحث الثاني: حفظ القرآن الكريم. المبحث الثالث: كتابة القرآن الكريم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. المبحث الرابع: جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -. المبحث الخامس: جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.
المؤلف : علي بن سليمان العبيد
الناشر : موقع الإسلام http://www.al-islam.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/90691
- قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر ويليه كتاب مسائل الجاهليةقطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر، ويليه كتاب مسائـل الجاهليـة التي خالف فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الجاهلية، ألف أصلها الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، وتوسع فيها على هذا الوضع علامة العراق السيد محمود شكري الألوسي - رحمه الله -.
المؤلف : محمد بن عبد الوهاب - محمد صديق حسن خان القنوجي - محمود شكري الألوسي
المدقق/المراجع : عاصم بن عبد الله القريوتي
الناشر : موقع الإسلام http://www.al-islam.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/144962
- صعقة الزلزال لنسف أباطيل الرفض والاعتزالصعقة الزلزال لنسف أباطيل الرفض والاعتزال: هذا الكتاب فيه ردودٌ قوية علمية مُؤصَّلة على المُعتزلة والروافض؛ من خلال آيات القرآن وتفسيرها التفسير الصحيح المُعتبَر عند أهل السنة والجماعة، ومن أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة الصريحة. في الجزء الأول من الكتاب: ذكر الشيخ - رحمه الله - فضائل أهل اليمن وذكر تراجم اليمنيين على مذهب أهل السنة والجماعة، وبيَّن الفروق الجوهرية بين أهل السنة والمعتزلة. وفي الجزء الثاني: ذكر فضائل الصحابة الكرام - رضي الله عنهم أجمعين - على الترتيب المعروف عند أهل السنة، والفروق الجوهرية بين أهل السنة وبينهم، وبيَّن بعضَ أبرز المُعتقَدات عندهم.
المؤلف : مقبل بن هادي الوادعي
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/380506